/ لكل مبدع احتراف أولي مع الكتابة، ترى متى لسعتك جمار القصيدة ؟
جواب: الكتابة مغامرة خطيرة و شيّقة تتطلب زادا معرفيا كافيا للوصول إلى أميرة جميلة اسمها القصيدة، و بتحريرها من سجون الكبت يكون الشاعر أمام جمال خلاب نوره البوح و مرآته القريحة...أعتقد أن الشاعر بغداد سايح عشق القصيدة منذ طفولته حين كان يراها وردة تهمس له و تعلّمه بالعطر و الشوك حكاية الخير و الشر، و زاد عشقه لها حين رآها حروفاً لا تخرج من يده إلا و يد أمّه تحرّك أصابعه الناعمة، و كبر هذا العشق مع أوراق و أقلام أبيه المعلّم فكان يجدها بين خربشاته حالمة، و لكن اللسعة لم تأت حتى صاحب المتنبي الذي أخرجه من بساتين الأحلام إلى غابات الخيال و علّمه أن يصطاد بسهام القافية و رماح اللغة أجمل المعاني و أبعدها.
2/يقولون بغداد سايح لا يكتب دون ملهمة هل هذا صحيح ؟؟
جواب: القصيدة امرأة دافئة تأتيني من بلاد الأنوثة فلا يمكن لعسل الكلمات أن يأتي إلا من شهد النظرات، و إذا كان شِعري رحيقاً فالأكيد أن مصدره زهرة متفتّحة في حدائق قلبي، فوراء كل سطر متضمّخ بالرؤى تبتسم العيون الساحرة، و خلف أجمل القصائد تقف أم رؤوم يمتدّ شعاع حنانها إلى أقصى زاوية من الإبداع، و الملهمة منبع الفكرة فبدونها تذبل الشعرية و بوجودها تنمو زنابق القصيد.
3/ المرأة تأخذ حيزا واسعا في كتاباتك فهل أنت عاشق إلى هذا الحد ؟؟
جواب: عشقي للمرأة لا يعرف حدّا فأنا أعشقها قافية عذبة و قصيدة جميلة و كلمة صادقة كما أعشقها بلادا فاتنة و أرضاً طاهرة و أحلاماً مشرقة، و يقودني عشقي لها إلى قراءة عينيها لاقتناص لحظة الكتابة فالعشق الذي أتحدّث عنه يتجاوز عشق مفاتنها و ينتقل إلى عشق دلالاتها و ما ترمز إليه المرأة من قيم حضارية باعتبارها عنصرا مهمّاً في الابتكار و التجديد فألوانها تشكّلني قوس قزح للحياة أمّا أسئلتها فتخدشني لأنزف شعراً يليق بمكانتها.
4/ بغداد سايح هل يفضل الشاعر الإنسان أم الإنسان الشاعر و لماذا ؟؟
جواب: الشاعر يسعى إلى امتلاك سلاح الكلمة خدمةً للإنسانية و ليس لتدمير مبادئ العدالة و المساواة فالشاعر الإنسان يجعل من أفكاره أسلحة يحارب بها الطغاة، و لكي يستطيع الوقوف مع القضايا العادلة لا بد أن ينطلق من إنسانيته فالتشبّع بالقيم الإنسانية هو أهمّ المحطات التي يمرّ بها الشاعر حتى يتمكّن من تمثيل الإنسانية في أحسن صورها، فالأصل أن يكون الشاعر إنساناً قبل كل شيء يحمل آمال و آلام أمّته و يتقاسم أفراح الشعب و أحزانه حفاظاً على معيار الصدق لحظة التعبير.
5/حين يسأل بعض الشعراء عن شعرهم يقولون دون تردد : إننا الأهم ، فما رأيك حول ذلك ؟
جواب: هناك شعراء ليس لهم من الشعر إلا وصف بشعراء فالشاعر الحقيقي يعرف أن الكلمة مسؤولية، و أعتقد أنه لا مجال لنرجسية الشاعر حين نتكلم عن شعره فوعيه الإبداعي يجعله يدرك جيّدا أنه ليس للشاعر من استمرارية إلا بخلود أشعاره، فالشاعر صاحب رسالة قد يهلك في سبيلها و تبقى بعده، فالأهمّية لا نحصرها في شاعر بحكم إنجازاتها و لكن الأهمّية تتعلّق بمدى وصول الفكرة و تجذّر العمل الفني داخل الوجدان الإنساني.
6/ كيف تنظر إلى المشهد الشعري في الجزائر، خاصة فيما يتعلق بما تكتبه المرأة المبدعة هنا ؟
جواب: في الجزائر توجد قامات شامخة و لكن تسييس الثقافة و الحرص على استعمال الإعلام لتشجيع الرداءة يجعلنا لا نشاهد جيلاً شعريّاً متميّزاً فالحقيقة أن أغلب ما نراهم يطفون في بحر الملتقيات متطفّلون على الشعر و تبقى اللآلئ الشعريّة في قاع التهميش، و لكي أكون صريحاً أقول أن الشعر في الجزائر له مشهد مشرق حين نقرأ للجيل الصاعد الذي أبهر العالم بالأدب الإنساني المدهش و كسر احتكار الشعر العربي من طرف المشارقة، فالجزائر في السنوات الأخيرة انتزعت الريادة الأدبية من خلال إنجازات شعرائها و أدبائها، و يبقى التواصل الأدبي ضرورة ملحّة للحفاظ على هذا المكسب خصوصاً فيما يتعلق بالمرأة التي أبدعت في فضاءات الكتابة و رسمت مشهدا جميلا للشعر و ساهمت في تطوير لغته و اختراق الأماكن الممنوعة سابقاً و فتحت آفاقاً جديدة للبوح الشفيف.
7/ ماذا يمكن أن تضيف تجربة احتكاكك مع الأصوات الشعرية الجزائرية، خاصة النسوية إلى تجربتك الإبداعية ؟؟
جواب: لا يمكن للشاعر أن يكون قمر البوح في ظلمات الكبت إلا إذا كانت له هالة شعرية تتمثّل في التجارب الشعرية و الأصوات المختلفة النابعة من ناي القصيد، فالشاعر بغداد سايح أشبه بالرسام حين يأخذ من مختلف الألوان الشعرية ليضيف إلى لوحته القصيدة جماليات أخرى كما أنه حين ينظر إلى النماذج المتعدّدة يستطيع أن يُخرج النص من أثوابه القديمة و يُلبسه طيلسان الابتكار و حرير الإبهار، و يمكن القول أن الأصوات النسوية أضافت الكثير من حيث التوظيف الدلالي فالمرأة لها مفردات تغوص عميقاً لإيصال الحسّ الأنثوي إلى أبعد الحدود وهذا ما يساعدني في التعامل مع رمزية المرأة و إشكالياتها بوعي أدبي أكبر من خلال جُمل شعرية تعبّر عن انفعالاتها و نفسيّتها.
8/يقال أن النقد لم يواكب التجربة الإبداعية النسوية ،أنت كرجل مبدع هل أنصفك النقد؟
جواب: لا يواكب النقد تجربة إبداعية إلا إذا توفّر المناخ المناسب لتواصل المبدع و الناقد بحيث يكون المنتوج الأدبي سهل الوصول إلى القارئ و المتلقّي و من ثمَّ استعمال كافة الأدوات النقدية و اتباع كل آليات القراءة الواعية أمام نص المبدع، و أعتقد أن إبداع المرأة لم يحظ فعليّاً بالاهتمام إلا من قبيل المجاملة لا أكثر كما أن حيّز إبداعها ضيّق مقارنة بما يبدعه الرجل و بالإضافة إلى ذلك هناك عدم قابلية لتصنيف التجربة الإبداعية إلى تجربة نسوية و أخرى رجولية، فالنقد و الناقد أكبر من وقوعهما في فخّ المصطلحات.
أنا أجد النقد منصفاً بحيث لا يكون النقد ظالماً حتى و لو اكتفى بعرض العيوب و كشف التقريرية و فضح الركاكة و الحشو دون إبداء جماليات النص بل يظل منصفاً حتى و لو سعى إلى هدم الذات الشاعرة و تسفيه المادة الشعرية، فالنقد يعتبر منصفاً منذ دخوله إلى جحيم النص أو جنّته لأن وضع الشاعر في دائرة الاهتمام و تسليط الأضواء النقدية عليه إنصاف صريح.
9/ أثار بعض النقاد العرب إشكالية التحرر ووصفوا الشاعرات الجزائريات على أنهن متحررات أكثر من اللزوم في قصائدهن فما تعلق على هذه النقطة ؟؟
جواب: الشاعرة الجزائرية إنسانة لها معاناتها الخاصة لكونها تأثرت كثيرا بالأوضاع التي مرّت بها البلاد فهي حين تخوض غمار الشعر تسعى إلى بعث أحلامها المغتصبة و لا تعرف لحدائق البوح باباً إلا التحرر من أجل الوصول إلى صورة تطابق طموحاتها و آمالها، فطاقة التحرر عندها تجعلها تدهش و تبهر و تقفز متجاوزة الخطوط الحمراء المتعارف عليها غير أن الخطوط تكون سوداء إذا تعلّق الأمر بتضاريس النص لذلك أقول أن الفرس الجميلة حين تقفز من شاهقات اللغة و الانسيابية لتجاوز بعض الضوابط الشعرية يكون سقوطها مؤلماً في الفراغات التي يُحدثها الانجراف الخطير وراء فكرة التحرر المغرية.
10/ إلى ماذا ترجع سبب عزوف الشاعرات الجزائريات عن الدواوين و نظم القصائد و توجههن نحو كتابة الرواية ؟؟
جواب: أنا شخصيا مؤمن بالفكرة القائلة أن المرأة خُلقت ليُقال فيه شعرٌ لا لكي تقوله هي، فطبيعة الشعر تقتضي القبض على جمر القريحة و الصلابة و التماسك فيما يخص الجزالة و الصرامة و الجدّية أمام ضوابط الشعرية و هو ما نجده يضعف عند الأنثى خصوصاً في الموضوعات التي تثير حساسيتها، و لهذا نجدها تعزف عن كتابة الشعر و تبحث عن فن أدبي آخر يعطيها مساحة أوسع للقول فقد يكون خاطرة باعتبار أن النساء ماهرات فيها بامتياز، و في الأغلب نجد الرواية تحظى باهتمام بليغ من طرف المرأة المبدعة لأن الرواية أكثر أنوثة من القصيدة بل هي امرأة مكتملة تجد المبدعة فيها ذاتها و تخلّصها من جرأة الشعر الرجولية فالمبدعة تستلهم الرواية من بيئة أقرب إليها تلمس همومها و تتحسّس كيانها.
11/هل تعتقد أن القصيدة العربية استطاعت أن تتماشى مع ما هو قائم في المشهد العام للمجتمع العربي، و هل ترى ان المبدع وصل بما يكتبه و ينشره إلى ذروته و عليه الآن أن يتنحى جانبا و يتكئ على موروثه الشعري فقط؟؟
جواب: أنا واثق و متيقن أن القصيدة العربية الأصيلة تتماشى مع كل المستجدات على الساحة العربية فهي تتناول هموم الوطن العربي و تترك الشهية مفتوحة أمام التساؤلات الراهنة لكن المجتمع العربي هو الذي لا يستطيع أن يتماشى معها طالما أن الحاكم المستبد يجسّد سياسة الإلهاء بحصر مطالب الأمة في البطون و عدم ترك العيون تترقب شمس الحرية في ظلام يدفن نجوم الوعي و يوقد مصابيح المجون.
المبدع اليوم مطالب بأن يكون صاحب رؤية تحميه من التوقف و الركود في مرحلة معينة من الإنجازات فلا وجود للذروة إلا في أذهان الفاشلين لأن الإيمان بوصولٍ إلى قمّة كذبة صفراء تؤدي إلى السقوط أو التقهقر أو الخمول فمن واجب المبدع أن يجدد دماءه في عروق الإبداع لحظة الكتابة و أن يبحث عن مفاتيح جديدة لاقتحام قلاع أخرى من مملكة البوح.
12/ كيف تقيم واقع الشعر النسوي بالجزائر ؟؟
جواب: أولا أنا لا أؤمن بتصنيف الشعر حتى و لو صنّفوه عموديا فتفعيليا فنثريا، فالشعر أسمى من أن يكون نسويا أو رجوليا فهو الشعر فقط بدون مسمّيات جديدة و لا تصنيفات ضيّقة و إذا كان يُفهم من سؤالك تقييم ما وصلت إليه المرأة من خلال إبداعها شعراً فأعتقد أنه توجد أسماء قدمت الكثير للشعر و استطاعت تطويع اللغة الشعرية و تطويرها و من بين تلك الأسماء مي غول، نسيمة بوصلاح، خالدية جاب الله، سمية محنش، شفيقة وعيل... لكنني أنتظر المزيد من الابداع الشعري الناطق بمكنونات المرأة المبحر في تجلّيات الأنوثة، و لهذا أرى تقييم الشعر النسوي بهذا المفهوم سابق لأوانه باستثناء أن يكون المقصود به الشعر المتعلق بالنساء بغض النظر عن كاتبه فالأمر هنا يختلف باعتبار أن الموضوعات متنوعة و التجارب عميقة جدا.
13/ ماذا يقول الشاعر بغداد سايح عن دور المثقف العربي في الوقت الراهن؟؟
جواب: أقول للمثقف العربي ثق بثقافتك العربية و اعمل على غرسها في المجتمع بإنسانيتك و بتعاملك مع الآخرين لا بخطابات و لا برؤى فلسفية، و كن بسيطاً بعيدا عن تعقيدات المذاهب و النظريات فآن الوقت ليلبس المثقف ثوب المواطن العادي و يتخلص من لباس النرجسية القاتم و ينزل من برجه العاجيّ و يمشي بين الناس و يسير في الشوارع و يجلس في المقاهي، فالتواصل أهم الأدوار لإنجاح الفعل الثقافي أما القطيعة و الابتعاد و الانطواء فهي أسباب لإجهاض المشروع الثقافي.
14/ أخيرا ما هي آخر إنجازاتك؟
جواب: أنا متأهل للوصول إلى أدوار متقدمة من مسابقة شاعر الأم التي تبثها قناة المستقلة كما أنني على موعد مع صدور مجموعة شعرية لي"قناديل منسية" هذه السنة بالإضافة إلى إنجاز ملحمة شعرية تتعلق بشخصيتي الأمير عبد القادر و يغمراسن في انتظار استكمال الإجراءات المتبقية في إطار تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية.